بقلم: ماجد محسن
شيف حلواني تنفيذي بفندق سوفيتيل الجزيرة القاهرة
أصدقائي وزملائي وأحبائي الشيفات، كنت أتمنى أن ألتقي بكم في ظروف أفضل مما نحن عليها الآن، فبالأمس القريب كنا جميعًا -ممن يمتهنون مهنة الطهي في مختلف المواقع والمنشآت الخاصة بتقديم الأغذية وخدمات الضيافة- لا نمتلك الوقت الكافي لمشاركة أسرنا لحظاتهم الخاصة، كما لم نكن نخصص الجهود اللازمة لتطوير هِواياتنا الخاصة، وقد كان ذلك بسبب كثرة الأعمال والمهام المحمولة على الأكتاف، والتي تضاعفت في الفترة الأخيرة مع ارتفاع أرقام السائحين والمقبلين على المطاعم والفنادق مع ازدهار السياحة المصرية في كافة المحافظات، والذي أثر بإيجابية شديدة على اقتصاديات وأرباح الفنادق والمطاعم.
كانت ولا تزال هذه الفترات أكثرها سعادة وسرورًا في قلوبنا رغم كثرة الضغوط وضيق الوقت في مطابخنا الفندقية، حيث كان السعي خلف الحفاظ على المثالية في كل خطوة ووجبة ومشروب وخدمة نقدمها لزبائننا وضيوفنا، كما كان السعي خلف الابتكار وتصويب الأضواء نحو التميز في بيئة عمل مترابطة يسودها أجواء الحب والتفاعل متجسدة في شكل عائلة واحدة شديدة الترابط.
ويجب أن أمهد لحديثي بتلك الكلمات لأوضح لك أيها الطاهي الشاب أهمية ما كنت تقوم به وما ستقدم عليه في المستقبل من جهود وخطوات في مجال العمل الفندقي أو أي منشأة أخرى تختص بتقديم خدمات الأغذية والضيافة، فأنت تمتلك جزء من التأثير الكفيل بإبراز الهوية المصرية بشكل ساطع في مجال هذه الصناعة، نعم عزيزي الطاهي، أنت تمتلك قوة التأثير والتميز والابتكار بما تصنع في مطبخك
قد يشعر بعضكم الآن أنه قد افتقد لهذه القوة، وأنا اتفق معكم، أنها مفاجأة لم تكن متوقعة، ففي أقل من أسبوع تغير كل شيء، انعكست الصورة تمامًا، ولا يمكنني وصفه إلا أنه تغيير دراماتيكي حاد في بيئة عملنا الخاصة، وفي بلدنا مصر، حيث أصبحنا جميعًا وبعد كل هذه المسؤوليات والضغوط مجبرين على التزام منازلنا، وفي أذهاننا سؤال: "إلى متى ستدوم هذه الحالة؟"
ولكن السؤال الذي أرغب في طرحه بالفعل: " هل سنقف مكتوفي الأيدي؟"
عزيزي الطاهي، أخطر شعور يمكنك السماح له بالسيطرة على وجدانك في هذه الفترة هو الإحساس بالأسى والأسف والخوف، كلنا على يقين أنها فترة ستمضي بعون الله -سبحانه وتعالى- وما علينا سوى الصبر على الاختبار والتوجه إلى رب العرش الكريم بالدعاء، ثم السعي، السعي نحو التطوير الذاتي، وتعزيز القدرة والكفاءة والمهارة التي يمتلكها الشيف، خاصةً أنتم أيها الشباب.
واحدة من التعليقات والشكاوى التي كنت أتلقاها من شباب الطهاة قبل حدوث هذه الأزمة العالمية عدم امتلاكهم للوقت والمصادر الكافية لتطوير خبراتهم ومعارفهم العلمية وكذلك العملية، وها أنا أقولها لكم الآن، أنتم تمتلكونها أكثر من أي وقت مضى، فبرغم هذه العزلة والالتزام المنزلي، وفي ظل أقصى لحظات الصمت والسكون، يقدم لك الكريم هذه النعمة، نعمة الوقت.
أنت تمتلك الآن الوقت الكافي لثقل حصيلتك المعرفية والعملية؛ لتصويب الضوء نحو نقاط ضعفك ومواجهتها وتحويلها لنقاط قوة لصالحك الشخصي ولصالح أعمالك ووظائفك الواقع مسئوليتها على عاتقك، واحذر كل الحذر من أولى الأيام اللاحقة لهذه الأزمة، فبعد مضي هذه الفترة يكون التركيز من ملاك المنشآت ورؤساء طواقم العمل المختلفة وبالأخص المسؤولين عن طاقم الطهاة موجه نحو التأكد من مدى قدراتكم وكفاءاتكم على مزاولة المهنة كما كنتم تقومون بالسابق.
هذه الفترة هي المقياس الفعلي لمدى إدراكك لمفهوم فن الطهي وحاجته للاطلاع والتوظيف المستمر على مدار الأسبوع وعلى مدار اليوم، فالمهارة تعشق الاهتمام، على المستويين العاطفي والجسدي -أي العملي-، ومهارة العمل في المطابخ التجارية والفندقية لا تختلف عن ذلك في شيء، أما الجلوس على أريكتك وانتظار العودة إلى العمل، أمر آخر، بإمكانه وضعك في ذيل قائمة التميز في هذه البيئة التنافسية التي نعمل وفق متغيراتها الكثيرة وتقلباتها المستمرة.
ماذا تفعل؟
· أيها الطاهي الشاب، أنت بحاجة إلى الحفاظ على لياقتك المهنية والبدنية المطلوبة في العمل بعد انقضاء هذه الفترة بإذن الله، فلا تستلم للجلوس وانبساط واسترخاء العضلات، فالعمل الشديد قادم، وسيتطلب منك أضعاف ما كنت تقدمه سابقًا، لذا استعد!
· لم لا تفكر الآن في تدوين المقادير الخاصة بك سواء المكتوبة على قصاصات الورق بشكل غير محترف أو تلك المصورة بالهاتف المحمول، أو حتى تلك الوصفات والمقادير المدونة في أجندتك الخاصة، أظن أنه الوقت المناسب لتدوينها بشكل أكثر احترافية.
· كما أرى ضرورة التوجه نحو تغيير المعتقدات والأفكار والسلوكيات التي كنت تمارسها سابقًا في العمل، وكانت لا تقدم لك النتائج المرجوة مثل التوجهات التشاؤمية والانسياق خلف المؤثرات العاطفية السلبية أو ردود الفعل الانفعالية غير المتزنة، لذا ابتعد قدر المستطاع عن التفكير الكارثي واستدع نقاط القوة وما تمتلكه من قدرات ومهارات جيدة، سواء كانت إدارية أو تفاعلية أو حتى قدرات خاصة بحل المشكلات، واسع خلف تطويرها والبحث عن كيفية إظهارها بشكل مناسب.
· لا تتجاهل القراءة أيها الطاهي، فهي خطوة هامة وحتمية نحو التطور في مجال فنون الطهي المختلفة وتقديم خدمات الضيافة في الفنادق والمطاعم، اطلع أكثر وتعمق في تفاصيل هذا المجال أو حتى في التخصص الذي تعمل فيه كشيف، حيث يمنحك هذا الأمر مزيدًا من مساحات الإبداع والتميز والقدرة على الابتكار فور رجوعك إلى العمل، كما أنه يبقيك في مقدمة المنافسة، خاصة إذا كنت على إدراك مستمر بأحدث الصيحات والأخبار والتوجهات الخاصة بمجال تخصصك.
· ولا أتجاهل بحديثي هذا أهمية أسرتك في هذا الوقت، فقط استهلكت ما يكفي من وقتهم الثمين في أعمالك الخاصة بمطابخ المطاعم والفنادق، لذا عليك الآن استغلال وقتك الثمين في قضاء بعض الوقت التفاعلي معهم، أعطهم ذلك الحب والدفء الذي لا أجد له وصف سوى أنه كان شاق الظهور والإيجاد في ظل ما كان يواجهنا من تحديات وضغوط في العمل قبل ظهور هذه الأزمة العالمية.
وفي النهاية أدعو الله أن تمر علينا هذه الفترة بصحة وسلام، وأن نعود جميعًا لمواقع عملنا في أقرب فرصة ممكنة، فسبحان الله، الأمس كنا نشكو كثرة الأعمال والضغوط وضيق الوقت، واليوم نشعر بقيمة ما كنا نمتلكه من نعم لم يكن يدرك بعضنا أهميتها.
"ففي كل محنة منحة من الله -عز وجل- علينا إدراكها والاستفادة منها"
تعرف على كل جديد في مجال الطهاة والمطاعم والفنادق من خلال آي هوريكا
المنصة المتخصصة للطهاة ومجال الأغذية والضيافة
ماجد محسن يكتب: أيها الطهاة الشباب .. لا تُضيعوا الوقت في الانتظار