تعد التكلفة المستحقة لكل وجبة غذائية أو مشروب مقدم عبر المطعم أو الفندق واحدة من أقدم وأهم التحديات التي تواجه ملاك ومديري هذه المنشآت، والتي قد تعيقهم باستمرار عن تأدية مهامهم وإدارة عمليات التشغيل الخاصة بالمطابخ بمثالية إن لم يتم إحاطتها والتعامل مع جوانبها بدقة ومهارة.
والتكاليف –أو المصروفات-المذكورة في هذا المقال تتمثل في حاصل جمع النقود الخاصة باستيراد المكونات الغذائية من الموردين والتجار والمصانع والشركات أو الهيئات الخاصة، وتخزينها بشكل ملائم متبع لمعايير وإجراءات الصحة والسلامة الغذائية، وكذلك تكاليف إعدادها وخلطها، وفي النهاية تكاليف تقديمها في مزيج خاص بأجواء التذوق المختلفة التي توفرها منشأتك للضيوف.
ولا يتعلق الأمر فقط بالعوامل الداخلية الخاصة بالاستيراد والتخزين والتوظيف والتقديم بما يتخللها من عمليات تشغيل فرعية، بل يتعدى ذلك إلى مجموعة من العوامل والمؤثرات الخارجية التي تؤثر بدورها على التكاليف المستهلكة داخل المطعم، مثل مدى قابلية وسرعة المنتج أو المكون الغذائي للتلف، أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البيئة المحيطة بمنشأة تقديم خدمات الأغذية، أو بُعد الموقع الجغرافي الخاص بك بما يتطلب دفع المزيد من الأموال على وسائل النقل، وغيرها العديد من العوامل.
فجميع العوامل السابقة تأثر على القاعدة المالية التي يمتلكها المطعم، وتجعل من مهمة إدارة شؤون الأموال وتدبير التكاليف مهمة شاقة للغاية، ولكنها ليست مستحيل، إذ يتعلق الأمر باتخاذ مجموعة من الخطوات الهامة التي تسمح لك باتخاذ الاحتياطات اللازمة لتغيرات السوق، ولا تضع المزيد من المسؤوليات والضغوطات على عاتقك، وتحافظ في نفس الوقت على تقديم أجواء تذوق مثالية ومميزة لزبائنك.
١-المراقبة والتوقع
يعتمد تصدرك للمشهد التنافسي في مجال صناعة الأغذية والمشروبات وتقديم خدمات الضيافة على مدى مراقبتك –أو متابعتك-لآخر التغيرات والأحداث المتعلقة بهذا المجال على المستويين المحلي والعالمي، وبالأخص النواحي التجارية المتعلقة بأسعار المنتجات والسلع الغذائية الأساسية المتضمنة في وجباتك المقدمة إلى الضيوف.
حيث تساعد المتابعة الآنية لهذه التغيرات، وكذلك قراءة آخر الاستطلاعات والدراسات ونتائج التحليلات الدراسية على توقع أسعار المكونات المستوردة في المستقبل، من منتجات اللحوم والألبان والفواكه والخضراوات والسلع والمتنوعة، ويعبر عادةً عن الزيادة أو النقصان المتوقع بمعدل مئوي وفقًا لكل منتج غذائي، أي أن الأمر بعيد كل البعد عن أي ثوابت مالية يتم الاستناد إليها في المعاملات التجارية اليومية أو الأسبوعية أو حتى الموسمية.
وتلك الأخيرة أيضًا تحمل أهميتها الكبيرة فيما يتعلق بحديثنا وفق هذه الجزئية، فاستعداداتك الدائمة للفواكه والخضراوات الموسمية وتوقع ارتفاعاتها أو انخفاضها في السعر يساهم في وضع خطط مالية أفضل تهدف إلى التقليل من صرف الأموال على سلع أو أدوات أو أجهزة باهظة الثمن يمكن الاستغناء عنها عبر اتباع العديد من الخطوات والحلول المختلفة.
ويتعلق أمر المراقبة بشكل وثيق بقائمة الطعام أو المشروبات التي تقدمها، حيث تدفعك بعض التغيرات الكبيرة في أسعار المنتجات أو ندرة وجودها أو صعوبة توريدها إلى التغيير في بعض أطباق أو أصناف أو حتى أسعار الأطباق المقدمة بالتوافق مع تقلبات السوق، فالهدف دائمًا من هذه الصناعة إيجاد هوامش الربح الخاصة كما يتم خلق تجربة الضيافة الراقية وتقديم الأغذية المميزة، ولن يرغب أي مالك مطعم في الوصول إلى حدود الخسارة أو فقد الأرباح، لذا تساعدك مثل هذه الخطط المستقبلية -المبنية على ما يسبقها من مراقبة وتحليل للسوق التنافسي وما يتخلله من أسعار سلع ومنافسات بين الموردين والجهات الخاصة –على توخي الحذر وتوجيه الجهود المبذولة والتكاليف المدفوعة نحو وجهاتها السليمة.
٢-الجرد والإدارة
وانتقالًا من البيئة الخارجية للبيئة الداخلية، تعد واحدة من القواعد المهمة في مجال التحكم في تكاليف إنتاج الأغذية والمشروبات في مطعمك المراقبة الآنية والدقيقة والتسجيل اليومي لجميع الشؤون والمتعلقات الخاصة بالسلع والمنتجات والمكونات الغذائية والأجهزة والأدوات والمستلزمات الضرورية الملحقة بجميع المرافق داخل المنشأة، فيما يعرف بالجرد.
فلا يمكنك أبدًا الاستمرار في معدلات جني الأرباح المرتفعة أو تشغيل وإدارة عملياتك بكفاءة بدون تسجيل وجرد مستمر لجميع الأصناف الغذائية المتواجدة في مخزون المطعم، وذلك لعدة أسباب، منها على سبيل المثال أنه يساعد في تحديد الأصناف الأقرب لانتهاء تاريخ الصلاحية، كما يساهم الجرد في التحري عن كميات الأصناف المتبقية ونوعياتها وضرورة توفيرها أو كفايتها لتحقيق الأهداف التشغيلية الموضوعة في الفترة الراهنة.
ويكشف الجرد عن مجموع ناتج الأموال المحتمل دفعها في سبيل توريد بعض السلع والمنتجات، في حين أنه يختص بتوثيق وتسجيل كافة المعاملات السابقة الخاصة بالمخزون وعمليات الجرد الأولية وما نتج عنها من أرقام وإحصائيات بما يساعد على تحليل الوضع الحالي ووضع الخطط المستقبلية، وتوقع المبيعات على مدار السنة أو خلال مواسم محددة، فيمكنك أن تتخيل كثرة الأعداد المتوفرة من منتج محدد باهظ الثمن في مخزون المطعم بما لا يحتاج إلى طلب المزيد منه خلال عمليات التوريد الجديدة.
ويساعدك على إتمام هذه المهمة بمثالية استخدامك لأحد أنظمة وتقنيات تسجيل البيانات والتي تحدثنا عنها مسبقًا في مقال " ٩ تقنيات تكنولوجية حديثة عليك امتلاكها لترتقي بمستوى الخدمة في مطعمك "، حيث تعرف بتقنيات البيع الرقمية، ويطلق عليها الـ " POS" اختصارًا لـ " Point Of Sale"، أو الـ "POP" اختصارًا لـ " Point Of Purchase"، والتي تساعد على تسجيل ومراقبة بيانات السلع بشكل لحظي، وإعطاء مجموعة من التنبؤات للمستقبل، مرفقة مع تقارير خاصة لخطط الطلبات.
كما أنها توفر عليك جهود كثيرة عن طريق إتمام العديد من العمليات الحسابية المعقدة، وربط المخزون بطلبات الضيوف والسلع المستهلكة والمسترجعة والمتبقية، مع تحديده لزمن دخول البضائع إلى المخزن وتواريخ انتهاء الصلاحية المحددة عليها، والعديد من البيانات التي توفرها مثل هذه التقنيات في المطاعم.
٣-هندسة القوائم
واحدة من أدوار قائمة الطعام المثالية في المطاعم مساعدة الملاك والمديرين على التحكم في تكاليف الأموال المهدرة عن طريق الاقتصاد في كميات المنتجات والمكونات المستهلكة أو المتضمنة في الأطباق والمشروبات المقدمة، ولا يقصد هنا التصميم الشكلي للقائمة أو كيفية تضمين الأطباق والوصفات الخاصة أو ماهية المعلومات التي يتوجب على مصمم القوائم إدراكها قبل الشروع في أعماله.
ولكن القصد هنا هو الحديث عن بعض التوصيات الخاصة بنوعيات وكميات الأغذية المقدمة إلى زبائن المطعم، ويظهر ذلك بوضوح عبر مجموعة متنوعة من المهام التي تقوم بها القائمة، حيث يرى العديد من الطهاة والخبراء المختصين بمجال هذه الصناعة ضرورة تصميم قامة طعام بسيطة المكونات ومحدودة الأصناف والأطباق المقدمة، لما يخلقه ذلك من فرص إيجاد معايير جودة أفضل في الطهي من ناحية، أي زيادة معدلات الإقبال والطلب على علامتك التجارية.
ومن ناحية أخرى تقليل الجهود ومصادر الطاقة المختلفة من الماء والكهرباء والقوى العاملة المبذولة في سبيل تقديم وجبات قائمة طعام متنوعة وكثيرة الأصناف، بالإضافة إلى إيجابية هذه الجزئية في إيجاد شخصية واضحة المعالم لهوية العلامة التجارية في السوق التنافسي بتصويب الاهتمام نحو أنواع وأحجام محددة للغاية من منتجات الأغذية والسلع التجارية والأجهزة والأدوات والتقنيات التكنولوجية، ففي جميع الحالات أنت تسعى نحو تحديد جميع المعايير وهو ما يتوافق مع تحديد التكاليف المالية المدفوعة والجهود المادية المبذولة.
وتعرف هذه الخطوة في العديد من الأوساط الخاصة بمجال هذه الصناعة بـ "إعطاء معايير واضحة للوجبة"، حيث يخلق مالك المطعم والمديرين والطهاة القائمين على بناء هوية العلامة التجارية الشخصية الواضحة للوجبات المقدمة وما تتضمنه من عناصر غذائية وكيفية تصنيع، في سبيل إيجاد تخطيط مبسط وغير مكلف ماديًا يسهل عملية التعرف على الخصائص الأساسية للوجبة وتحديد تكلفة كل منتج استخدم في تصنيعها، مما يسهل في النهاية القدرة على تسعيرها وإيجاد هوامش ربح ملائمة لتطور الأعمال وكذلك إيجاد القدرة على توقع متوسطات حساب سليمة.
٤-المستلزمات والتدريب
وكأي وظيفة أو هدف يطالب تحقيقه، يتوجب تعزيز مجموعة من الجوانب الفنية والسلوكية الخاصة بالمطاعم، وبما أن الحديث هنا مصوب تجاه تقليل التكلفة المالية المدفوعة في سبيل إعداد وتقديم الأغذية والمشروبات إلى الضيوف، يتوجب ذكر أهمية توظيف الأجهزة والأدوات ذات الاستهلاك الضئيل لمصادر الطاقة المختلفة، ويفضل أن تكون من نوعيات الأجهزة المصممة لإتمام العديد من المهام في آن واحد، مما يوفر الاستعانة بعدد كبير من الأجهزة والأدوات في المطبخ التجاري، أي المزيد من الطاقة المستهلكة والأيدي العاملة.
وهو الأمر الذي يتطلب تعزيز الجوانب المادية المتعلقة بتدريب فرق العمل المختلفة على استخدام هذه الأجهزة، ولكن الأهم هو تدريب هذه الكوادر على تعديل العديد من السلوكيات الخاصة بجوانب الهدر والاستهلاك المفرط في منتجات الأغذية وأشكال الطاقة المختلفة من الماء والكهرباء والغاز وغيرها.
حيث يتضح أنها واحدة من أهم معايير وإجراءات مفهوم الاستدامة في المطاعم، وهو ترشيد الاستهلاك في مصادر الطاقة وإعادة تدوير المنتجات، أو عقد شراكة عمل مع إحدى الجهات المختصة بمجال تدوير المنتجات والأدوات المستهلكة واستبدالها بأخرى أكثر سلامة بيئيًا وملائمة للاستعمال الآدمي، مما يساعد على توفير فرص للحصول على المعدات اللازمة بأسعار أقل.
فكلما سنحت لك الفرصة توقيع عقود تجارية مشتركة مع الجمعيات والهيئات والمحيطة بك فيما يتناسب مع توجهات مطعمك وهوية علامتك التجارية ومتطلبات البيئة الخاصة بك بتكاليف أقل، أنت بذلك تساعد على تحقيق أقصى أهدافك الموضوعة عبر خططك المالية، فقد يكون واحدة من هذه العقود تعبر عن اتفاقية خصومات أو عروض خاصة بين مطعمك وهيئة أو شركة قريبة منك، مما يساهم في التأكيد على إقبال أعداد محددة من الزبائن عليك بشكل متكرر يوميًا.
وتزداد ضرورة هذا التعزيز لجوانب تدريب سلوكيات الأفراد العاملين عن طريق تعريفهم بأهم الخطوات والإجراءات المتخذة في تقليل استهلاك المكونات الغذائية المختلفة، وكيفية الاستفادة من كل مكون في الأطباق مهمًا كان صغيرًا، وهو الأمر الذي يتطلب مجموعة من التدريبات والأفكار الإبداعية في التصميم والتوظيف، وذلك في سبيل الانتفاع الكامل من كل المنتجات وعدم الهدر فيها، مما يساعد في النهاية على التقليل من التكلفة الناتجة عن شراء منتجات وأصناف غذاء جديدة.
٥-الإنتاجية والتحضير
كما أن الاعتماد على الإنتاج الذاتي –والذي يعد من إجراءات الاستدامة أيضًا-أصبح واحدًا من أهم الخطوات المتخذة عبر المطاعم والفنادق بالأخص لتقليل التكاليف المبذولة في سبيل استيراد المكونات والأصناف المختلفة، ويأتي هذا الاعتماد عن طريق توفير مصادر طاقة بديلة أو الاهتمام بتوظيف المستلزمات والأساليب المطبخية الكلاسيكية التي لا تتطلب صرف الكثير من الطاقة.
وتتجه مجموعة كبيرة من منشآت تقديم الأغذية وخدمات الضيافة المميزة إلى توظيف المساحات الزراعية والحيوانية الخاصة أو تعمير مجموعة من المصانع أو الأراضي التابعة لها أو حتى الاعتماد على أقرب المتاجر والمحلات والموزعين القريبين منها، وذلك في سبيل التخلي عن أية قيود أو احتكارات أو التزامات قانونية أو تكاليف مالية عالية جراء عمليات النقل والاستلام.
وإن كانت نسبة ليست بالبسيطة من ملاك المطاعم والفنادق لا يفضلون التوجه نحو الاعتماد على الذات في إنتاجية المكونات الغذائية بسبب الوقت الطويل الذي تحتاجه هذه المنتجات في التحضير قبل التوظيف في الأطباق والتقديم إلى الزبائن كالبطاطس على سبيل المثال، حيث يتم الاستعانة بالبطاطس المقطعة والمجمدة الجاهزة للقلي مباشرة بدلًا من تلك التي يتم تجميعها من المزارع وتنظيفها وتقطيعها ومن ثم قليها.
وإن كان يرى الفريق الآخر من القضية ضرورة التوجه نحو التحضير القبلي لمثل هذه المنتجات قبل مواعيد العمل وتجهيزها ووضعها موضع الاستخدام، فحتى وإن كانت عملية مبكرة تسبق إقبال الضيوف عليك بساعات، إلا أنها تظل سببًا جوهريًا خلف تقليل مقدار التكلفة الإجمالية المبذولة لشراء مثل هذه المنتجات بشكل متكرر.
في النهاية عليك إدراك أهمية الجوانب التفاوضية مع موردي المكونات الغذائية؛ وذلك للحصول على أقل سعر منتج وأعلى جودة إنتاج، فدائمًا ما يمتلك التجار خطط أسعار مختلفة تتناسب مع توجهات الملاك المختلفة، لذا لا تترد في التفاوض ومحاولة السعي خلف الحصول على أفضل اتفاقات التوريد المثالية والملائمة لأهدافك المالية الموضوعة، وهذا ما قد يساعد عليه بناء علاقة ثقة قوية مع المورد، حتى تضمن الطلب المتتابع والمستمر من جهتك على منتجاته ومكوناته المختلفة لتصنيع الأطباق أو المشروبات المقدمة إلى الضيوف.
كما لا تنسى أهمية وضع خطط طوارئ وكذلك خطط تقاعد وإنهاء للمشروع –فيما يتعلق بالجوانب المالية-، حتى وإن لم تمتلك الرغبة لفعل ذلك، فوجود مثل هذه الخطط يهديك المزيد من مشاعر الأمان والراحة اتجاه تقلبات المستقبل، فلا تتعلق السلبيات بالأحداث المحتمل وقوعها أثناء تدهور الأعمال، بل بما يعقبها من ديون وأجور وعقود ومسؤوليات اتجاه الجهات الحكومية والرقابية الخاصة، لذا احرص دائمًا على تأمين مستقبلك التجاري، عن طريق التنبؤ ووضع الخطط المختلفة.
ولا تنسى أن الأمر دائمًا يتعلق بالمذاق الحسن لوجباتك ومشروباتك إلى جوانب تميز أجواء التذوق لديك، فأنت تخلق تجربة خاصة ومثالية لضيوفك، يحفزهم ويجد بداخلهم شعور الرغبة في التردد عليك مرارًا وتكرارًا، أي أنك تضمن زيادة أعداد المقبلين، وبالتالي مضاعفة الأرباح الناتجة عن تقديم خدماتك، فلا تتردد في صرف الأموال على هذين الجانبين على أن تضع خططك المالية الدقيقة دائمًا وفقًا للمتغيرات المذكورة سابقًا، بما يسمح لك بإيجاد الأرض الثابتة والصلدة لإنشاء أعمالك وتدوير تجارتك، ويجنب الوقوع في العديد من الأخطار والمشكلات التي تؤثر سلبًا على سلاسة وفعالية أعمالك التجارية، فتحديد الأهداف المالية خطوة لا يمكنك تجاهلها في سبيل السيطرة المثالية على تكاليف تقديم خدمات الأغذية عبر منشأتك.
تعرف على كل جديد في مجال المطاعم والفنادق من خلال آي هوريكا
المنصة المتخصصة مجال الأغذية والضيافة
٥ قواعد ذهبية لإدارة مصروفات مطعمك بمثالية