سعت جهود خاصة نحو إبراز وترويج التقاليد الثقافية والغذائية وفنون الطهي الخاصة بمختلف المجتمعات والدول العربية ، وكان ذلك عبر تنظيم مبادرة خاصة تسمى " Culture on a Plate " جمعت نخبة من أمهر الطهاة والخبراء المحترفين في قطاع المطاعم وخدمات الأغذية والضيافة، بهدف تبادل الخبرات والأفكار، وتعريف الجمهور بمختلف الأطباق التقليدية وأساليب و فنون الطهي الخاصة بكل مجتمع أو منطقة جغرافية عربية.
وقدمت هذه المبادرة فعاليتها الثانية خلال الشهر الحالي باحتضان مجموعة من عروض الطهي عبر قائمة طعام تتضمن أكثر من ٥ وصفات، وذلك بتصويب الاهتمام نحو ثقافات فنون الطهي ووصفات المطبخ الفلسطيني ، وقد شهد الحدثان مشاركة مجموعة من الشيفات المصريين والشاميين، الذين قدموا أطباقًا فلسطينية أصيلة، بالإضافة إلى ابتكارات جديدة باستخدام مكونات فلسطينية الأصل أو من بلاد الشام.
وعن نشأة فكرة الفعالية تقول أمنية الشريف ، Account Director & PR Manager ، ومنفذ وصاحب فكرة الفعالية : " لقد كانت طفولتي غزيرة بعلاقات الصداقة الوطيدة مع الأطفال من الجنسيات المختلفة وخاصة السورية والفلسطينية واللبنانية، وقد نشأت حياتي وأنا اتعرف على ثقافاتنا العربية المختلفة وخاصة تلك المعنية بأغذية وفنون الطهي والضيافة، وذلك لأني أعشق مجال الطهي والأغذية على رغم من أنني لست طاهيةً محترفة، بل متخصصة في مجال التسويق والترويج
وقد طرأت الفكرة في ذهني عندما كنت أتابع أحداث المنطقة العربية في الوضع الراهن، وخاصة المعنية بأحداث بلاد الشام، وذلك عندما وجدت العديد من الـ " Food Bloggers " يقومون بطهي وتدوين وتقديم أطباق و فنون الطهي الفلسطيني التراثية، ولفت انتباهي تعليقات المشاهدين والمتابعين لهم، حيث بدأت بمجموعة تعليقات تشكك في مدى أصالة ودقة هذه الوصفات، ومن ثم تحولت تدريجيًا إلى أحاديث ومناقشات طويلة متضادة.
ومع مرور الأيام اتضح لي أن هناك الكثيرين من المدونين و الطهاة والخبراء المتخصصين أصبحوا يتجنبون فكرة الحديث عن المطابخ العربية التراثية الأخرى تجنبًا لمثل هذه التعليقات والمناقشات، ومن هنا شعرت أنني بحاجة إلى اتخاذ خطوة في هذا الصدد يسمح للطهاة بتوظيف المطابخ العربية الأخرى واستخدام مكوناتها وصفاتها التي تتميز بها لتصميم وابتكار وصفاتهم المعدلة الخاصة التي ستنسب لهم في النهاية.
وأن يكون ذلك عبر تنظيم حدث يجمع نخبة من الطهاة بمجموعة من الحضور والمشاهدين والمتذوقين، مما يسمح للجميع بالتعلم وخلق فرص لتبادل الآراء والأفكار والشعور بالمتعة والرفاهية، ومما يساعد على حفظ تقاليدنا وتراثنا الخاص بفنون الطهي وخدمات الضيافة التي نتميز بها في المنطقة العربية وكذلك نتمكن من نقلها للأجيال القادمة بشكل فعال ومثالي
وأصبحت استراتيجية هذه المبادرة في النهاية هي تسليط الضوء على الوصفات الأصيلة والتراثية لمنطقة عربية محددة عبر تقديمها بشكل مستحدث، أي التغيير فيها دون التأثير على أساسياتها المجسدة لتميزها، فيمكننا أن نطلق عليها عبارة – Traditional Cuisine, But in a Modern Way - وذلك حتى يتمكن المتذوق في النهاية من تذوق النكهات الخاصة بوصفات تلك الدولة أو المنطقة العربية عندما يغلق عينه ويستطعم الطبق أو الوصفة المقدمة له في الفعالية عبر أحد الطهاة.
وأشير هنا لنكهات مثل السماق وورق الزعتر ودبس الرمان على سبيل المثال، وذلك إذا ما حددنا الحديث عن الفعاليتين السابقتين، ولكن السمة الإضافية هنا أيضًا أنها عرض طهوي لمرة واحدة حصرية فقط أو – One Time Show – أي أن العرض التقديمي الخاص بالوصفة ومذاق الطبق في حد ذاته ، وكل ما يتعلق به سيتم تقديمه لمرة واحدة فقط عبر هذه الفعالية، وهو ما يجعلها فعالية أكثر تشويقًا وإمتاعًا "
ومن هنا اكتملت أركان الفكرة، وكانت أفضل انطلاقة لها - في النسختين الأولى والثانية – هو بالتركيز على المطبخ الفلسطيني ، حتى نتمكن بالإضافة إلى ذلك من التبرع بالأرباح الخاصة برسوم مشاركات الحضور إلى جمعية الهلال الأحمر للمساهمة والدعم بشكل فعال
ولكن كان السؤال الأبرز يدور حول أفضل أسلوب يمكن أن نتبعه حتى لا تكون هذه المبادرة مجرد تدوين للطعام أو - Food Blogging - بل أن يمتد لأكثر من ذلك حتى يولد الدراية والفهم الكافي بأصول المطابخ العربية والأسس التي يقوم عليها حتى نتمكن من نقلها بدقة وابتكار للأجيال المقبلة، وهو ما سعينا جميعًا جاهدين نحو تحقيقه عبر أجواء الفعالية ".
وبالحديث عن استجابة الطهاة والخبراء المشاركين في ابتكار الوصفات وتقديمها للزوار لطبيعة الفكرة والمساهمة المادية الناتجة عنها تقول أمنية : " كانوا مرحبين ومتحمسين للغاية، بمستويات غير متوقعة لي بشكل شخصي، حتى أن بعضًا منهم قالي أنهم كانوا يرغبوا بشدة في المساندة والدعم في هذا الجانب وأن هذه الفكرة ستفتح لهم المجال إتمام هذا الأمر، وخاصة أنه يجسد جوهر وظيفتهم وما يحبون عمله "
وتستكمل حديثها قائلةً: " كنت سعيدًا للغاية عندما عاوننا ١٠ طهاة محترفين ومتخصصين عبر نسختي الفعالية، ومن جنسيات مختلفة سواء المصرية أو السورية أو الفلسطينية، وذلك بالإضافة إلى سرعة الحجز والمشاركة الكبيرة من الزوار لحضور هذه العروض ودون جهد كبير في التسويق الإلكتروني أو الترويج للفكرة والهدف، فقد شارك أكثر من ٣٠ شخص في النسختين على الرغم من أن أقصى عدد هو ٢٥ ".
وعن الأجواء الخاصة بجدول أنشطة وفعاليات الحدث تقول " الشريف ": " نقوم بتجهيز المكونات والأدوات وإتمام كافة الأمور المتبقية مع الرعاة، ومن ثم يأتي يوم الحدث نفسه، حيث يبدأ مبكرًا بترتيب كافة المستلزمات ومساحات العمل والتقديم داخل المطبخ وصالة الضيافة، ويتزامن ذلك مع تتابع وصول الطهاة ومساعديهم المسؤولين عن والمشاركين في تقديم العروض إلى الموقع ليتواصلوا سويًا كطهاة محترفين ، وكذلك ليتعرفوا على طاقم العمل والخدمة والمرافق المتواجدة في مكان الحدث "
وبالتطرق إلى تفاصيل الوصفات وقوائم الطعام والمكونات التي يتم توظيفها وإعدادها، تقدمها أمنية الشريف بقولها: " المنيو يتكون من ٧ أطباق بالإضافة إلى الخبز / العيش الذي يتم إعداده وتقديمه كوصفة ثامنة إلى القائمة، حيث يكون كل شيف مشارك مسؤولًا عن وصفة أو طبق عبر هذه القائمة، يقدمها ويشرحها ويُفَصِّل مكوناتها وكيفية ابتكارها وما تبثه من رسائل وأحاسيس ونكهات إلى كافة الحضور في صالة الضيافة، ومن ثم يتم تقديم طبق واحد لكل ضيف، ففي النهاية نحن نقوم بخدمة أعداد كبيرة من الطباق خلال هذا الحدث "
وتستكمل حديثها: " نقوم بعمل اجتماع مع الطهاة في الساعة الرابعة لمراجعة خطة العمل والوصفات وتتابع الأطباق، ومن ثم نبدأ بتقديم أول طبق / وصفة في القائمة خلال الساعة السابعة مساءًا تقريبًا، ومن ثم يتتابع تقديم باقي أطباق القائمة بعد انقضاء مدة ٢٠ دقيقة تقريبًا من كل وصفة قُدِّمت ".
وتختتم أمنية حديثها بالتأكيد على هوية وهدف هذا الحدث قائلةً: " هدفنا أن نُبْقي على ذكر وإحياء ما نتملكه من ثقافة طهي ومكونات مميزة تنتجها أراضينا العربية، وكذلك أن نبتكر وننشر ثقافة التطوير للعالم ".
ويبدي الشيف مروان حازم ، Experimental Chef ، وأحد الطهاة المشتركين في هذه المبادرة، إعجابه وتشوقه لهذه الفكرة قائلًا: " تحمست لهذه الفكرة لأنني وجدت سبيلًا للمشاركة بطريقتي في دعم ثقافة فنون الطهي الفلسطينية، وكذلك التوثيق والحفاظ على تراث المطابخ العربية التي نسعى جاهدين كذلك لتقديمها بطابع ورؤية حديثة بالحفاظ على أساس تكوينها ونكهتها
أما بالحديث عن المطبخ الفلسطيني بالأخص فهو مطبخ أسري للغاية ويعتمد على تجمعات الأهالي على موائد الطعام الكبيرة والأطباق الكثيرة، وهو أمر ألهمني ودفعني نحو تقديم أفكار مبتكرة مختلفة تساعد في تقديم مكوناته الخاصة ونكهاته الأساسية بنمط حديث "
وعن اختيار مكونات الوصفات وابتكار الأطباق عبر النسختين السابقتين للمبادرة، يشرح الشيف مروان قائلًا: " في البداية بحثت عن طبيعة المكونات التي يعتمد عليها المطبخ الفلسطيني ومن ثم بحثت عن المتوفر منها في السوق المحلي، وقد تلى ذلك تفكيري في نوعية المكونات المتوفرة ولكن لا يعلم عنها – أو لا يستخدمها كثيرًا – الطهاة ، أو حتى يستخدموها في إعداد الوصفات الفلسطينية ولكن بسمات مختلفة وهي ما المكونات التي سعيت نحو بناء الوصفات على أساسها، وعلى سبيل المثال طبق سلطة المفتول التي قمت بإعدادها في النسخة الأولى، نقوم بأعدادها هنا على أنها طبق حلو بارد، بينما في الثقافة الفلسطينية هي العكس
ويشرح الشيف مروان أجواء يوم العرض قائلًا: " نكون تقريبًا أكثر من ٦ طهاة في موقع العمل وكل لديه فريقه ووصفات وخطة عمله الخاصة ووقته المحدود، ولكن رغم ذلك لا نشعر مطلقًا بأننا مختلفين أو متباعدين عن أهدافنا، بل نساعد بعضنا البعض في وصفاتنا ونكتسب صداقات وخبرات ومهارات وأفكار جديدة مفيدة لمهنتنا وثقافتنا، فكنا ننظر جميعًا للصورة العامة من هذه المبادرة وليس لمثالية كل طبق خاص بشخص "
وعن رؤيته للنسخ القادمة من الفعالية يطمح الشيف مروان في أن يشاهد المزيد من الدعم والحضور والمتطوعين والطهاة في هذه المبادرة كما أنه يطمح، كما يرغب في أن يبتكر وصفات للمطبخ السوداني.
وفي حديث آخر لـ آي هوريكا مع الشيف سوزان صباح ، Culinary Director، تقول معبرة عن مشاركتها في الفكرة: " كنت سعيدة للغاية بالدعوة وفخورة لمشاركتي في هذه المبادرة، لأننا جميعًا نرغب في تقديم الدعم ونهدف للحفاظ على ثقافة فنون الطهي الفلسطينية والعربية ، لذا لم أفكر كثيرًا وتحركت مباشرة للبحث والسؤال عن المطبخ الفلسطيني وما يتضمنه من وصفات ومكونات وأساليب، وساعدني في ذلك أن جزءًا من عائلتي تنتمي لمنطقة بلاد الشام، لذلك كانت لحظات تملؤها الفخرة والشغف عندما كنت اعمل على أطباقي الخاصة بهذا العرض "
وتشرح " صباح " رؤيتها في ابتكار وتقديم الوصفات قائلةً: " اهتتمت بالتركيز على الوصفة الأصلية دون التغيير فيها كثير، أرد أن أجعل الضيوف يشعرون أنهم يأكلون على مائدة فلسطينية ثقافية حقيقية دون الإكثار من الإبداع والتغيير، لذلك قدمت " قدرة لحمة " بمشتملاتها من الأرز والمكسرات، وكذلك حرصت على أن أبحث عن الوصفات غير التقليدية أو الشهيرة في المطبخ الفلسطيني حتى أظهره وأقدمه بشكله الأصلي عبر هذا العرض "
وتصف الشيف سوزان أجواء الفعالية قائلةً: " كان الكثير منا يتوقع ألا تكون المهمة سهلة نظرًا لتنوع وتعدد الطهاة المحترفين المشاركين في الفعالية، ولكنها كانت في الحقيقة ممتعة ومليئة بأجواء المشاركة والمساندة الإيجابية من الطهاة والمتطوعين والحضور "
وبالحديث عن أهمية مثل هذه الجهود واللقاءات والمبادرات الخاصة بفنون الطهي ، يذكر أنها تلعب دورًا مهمًا في الترويج للسياحة الثقافية، فعندما يتعرف السائحين والضيوف على الأطباق التقليدية للمجتمعات التي يزورونها وكذلك تلك المحيطة بها، فإنهم يشعرون بأنهم أكثر قربًا منها، ويرغبون في معرفة المزيد عن ثقافتها وتاريخها.
كما تلعب هذه اللقاءات دورًا مهمًا في الحفاظ على التقاليد الثقافية والغذائية للمجتمعات العربية المختلفة، فهي تساعد على نقل هذه التقاليد إلى الأجيال القادمة، وتساهم في تعزيز التبادل الثقافي بين مختلف المجتمعات.
تعرف على كل جديد في مجال الطهاة والمطاعم والفنادق من خلال آي هوريكا
المنصة المتخصصة للطهاة ومجال الأغذية والضيافة
نسخة ثانية من عروض تراث الأطباق العربية تقدمها كلتشر أون بليت