تشهد مبيعات الفنادق تحولات جذرية في الطريقة التي يتم بها استقطاب العملاء وتحقيق الإيرادات، فلم يعد مجرد تقديم عروض جذابة وأسعار تنافسية كافيًا لضمان نجاح الفندق في سوق شديد التنافسية، بل أصبح بناء الثقة هو أحد أهم العوامل المؤثرة في اتخاذ قرارات الحجز، حيث يبحث العملاء عن تجارب تتجاوز مفهوم الإقامة الفاخرة لتشمل التجارب الشاملة والمتخصصة والآمنة.
ويُنظر إلى الثقة باعتبارها ركيزة أساسية للعلاقات طويلة الأمد، فهي تحول العملاء إلى سفراء للفندق من خلال التوصيات والمراجعات الإيجابية، ومع ذلك، لا تزال العديد من الفنادق تعتمد على استراتيجيات مبيعات تقليدية تعتمد على التفاعل الآلي، والعروض الحصرية، والرسائل النمطية التي تتطلب وجود البُعد الإنساني، مما يؤدي إلى إضعاف العلاقة مع العملاء بدلاً من تعزيزها.
وفي هذه المقالة، نستعرض كيف يمكن للفنادق تعزيز مبيعاتها من خلال إعادة التفكير في طريقة تواصلها مع العملاء، وتسليط الضوء على أهمية التفاعل البشري، والشفافية، وتخصيص التجربة، والتفاعل الرقمي الفعّال.

ما معنى بناء الثقة في قطاع الضيافة ؟
تُعد الثقة العنصر الأساسي الذي يربط العميل بالفندق، حيث تؤثر بشكل مباشر على:
- قرارات الحجز: فكلما زادت ثقة العميل بالفندق، زادت احتمالية حجزه مباشرةً دون البحث عن خيارات أخرى.
- الولاء والتوصيات: العملاء الذين يثقون بالفندق يميلون إلى تكرار الإقامة والتوصية به للآخرين، مما يعزز الإيرادات دون الحاجة إلى حملات تسويقية مكلفة.
- التفاعل الرقمي: العملاء يفضلون الفنادق التي تُظهر مصداقية وشفافية في جميع نقاط التفاعل، بدءًا من الموقع الإلكتروني وحتى وسائل التواصل الاجتماعي.
أبعاد الثقة في المبيعات الفندقية
لكي تنجح الفنادق في بناء الثقة بطريقة مستدامة، يجب أن تستند إلى ثلاثة أبعاد رئيسية تضمن ترسيخ علاقة قوية بين العميل والمكان: وهي المصداقية، الشفافية، والتفاعل البشري، وتمثل هذه الأبعاد مفاهيم تؤثر بشكل مباشر على سيكولوجية العميل، وتحدد ما إذا كان سيشعر بالأمان والرغبة في العودة إلى الفندق، أو سيبحث عن خيارات أخرى تمنحه طمأنينة أكبر: وهي كالتالي:
١- المصداقية - Credibility
تبدأ الثقة دائمًا بالمصداقية، حيث يتوقع العملاء أن يلتزم الفندق بالوعود التي يقدمها لهم سواء في جودة الخدمة، أو مستوى الراحة، أو سرعة الاستجابة لمتطلباتهم، وعندما يختبر العميل تجربة تتوافق مع توقعاته، فإن ذلك يعزز إحساسه بالراحة واليقين، مما يجعله أكثر استعدادًا للعودة أو التوصية بالفندق للآخرين.
والعكس صحيح، إذا شعر أن هناك فجوة بين ما تم الترويج له وما حصل عليه فعليًا، فإن الإحباط النفسي الناتج عن ذلك يقلل من ثقته، بل ويخلق لديه انطباعًا سلبيًا يمتد لعلامة الفندق التجارية بأكملها، والبشر يميلون إلى تجنب "عدم اليقين"، فعندما يصبح الفندق مصدرًا للتجربة المتوقعة، فإن العميل يشعر تلقائيًا بالأمان تجاه قراراته المستقبلية بالحجز.

٢- الشفافية - Transparency
الوضوح هو عنصر حاسم في بناء الثقة، فالعملاء لا يحبون المفاجآت المخفية فيما يتعلق بالأسعار، أو الرسوم الإضافية، أو سياسات الفندق، والشفافية هنا تعني أن يكون الفندق مباشرًا وصادقًا في جميع نقاط التفاعل، سواء عبر الموقع الإلكتروني، أو البريد الإلكتروني، أو حتى عند حدوث مشكلات أثناء الإقامة.
ويعزز الوضوح – من الناحية النفسية - إحساس العميل بالتحكم والسيطرة على تجربته، حيث يدرك أنه لن يتعرض لمواقف غير متوقعة قد تشعره بعدم الارتياح، وعندما يكون الفندق صريحًا بشأن الخدمات والتكاليف وحتى قيوده، فإن ذلك يقلل من " التوتر المعرفي – Cognitive Dissonance " لدى العميل، وهو الشعور الذي ينشأ عند مواجهة معلومات متضاربة أو غير متوقعة، وببساطة، الشفافية تمنح العميل إحساسًا بالثبات والاستقرار، مما يدفعه لاتخاذ قرارات شراء أكثر ثقة واطمئنانًا.
٣- التفاعل البشري - Human Interaction
أصبح العنصر البشري فارقًا حقيقيًا في تجربة ضيف الفندق، وخاصة مع تصاعد الاعتماد على التكنولوجيا و "الأتمتة"، فالتواصل الشخصي، ونبرة الصوت في المكالمات الهاتفية، والتفاعل المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل تؤثر على الشعور العاطفي للعميل تجاه الفندق، وعلم النفس يوضح أن الناس يميلون إلى تفضيل التجارب التي تمنحهم شعورًا بالاهتمام الشخصي، حيث يزداد الشعور بالراحة والثقة عندما يجد العميل أن هناك شخصًا حقيقيًا يتفهم احتياجاته ويتفاعل معه بمرونة، ومن هنا، فإن تقديم تجربة مخصصة مبنية على تحليل سلوك العميل وتفضيلاته السابقة، لا يعزز فقط شعور العميل بالانتماء، بل يجعله أكثر ارتباطًا بالفندق كعلامة تجارية ذات بُعد إنساني حقيقي.
وعندما تترابط هذه العناصر الثلاثة - المصداقية، الشفافية، والتفاعل البشري - في استراتيجيات المبيعات الفندقية، فإنها تخلق ولاءً مستدامًا يجعل العملاء يفكرون في التجربة التي تمنحهم الشعور بالأمان والارتباط العاطفي بالمكان.

استراتيجيات بناء علاقات قوية مع العملاء
لا يكفي مجرد استقطاب العملاء لمرة واحدة في عالم مبيعات الفنادق، بل التحدي الحقيقي يكمن في تحويل كل تجربة إلى علاقة مستدامة تُترجم إلى ولاء طويل الأمد وزيادة في الإيرادات، والعملاء لا يعودون لمكان واحد لمجرد أن خدماته كانت جيدة، بل يعودون لأنهم شعروا بأنهم مفهومون، ومحل اهتمام، ومقدرون، وهنا يأتي دور بناء العلاقات كاستراتيجية متقدمة في تعزيز المبيعات الفندقية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
١- التواصل الشخصي الفعّال
يتخطى بناء العلاقات مجرد التفاعل أثناء عملية الحجز، فالتواصل الحقيقي يبدأ قبل وأثناء وبعد إقامة العميل، ولا أحد يحب أن يُعامل كرقم في قاعدة بيانات، بل كفرد لديه احتياجات فريدة، وعلم النفس التسويقي يشير إلى أن العميل يكوّن انطباعه عن الخدمة خلال الثواني الأولى من التفاعل، وعليه فإن نبرة الحديث، ونوعية الأسئلة المطروحة، والطريقة التي يُشعر بها العميل أنه "مرحب به"، جميعها عناصر تساهم في تكوين رابط عاطفي قوي بينه وبين الفندق، ويمكن تطبيق ذلك عبر خطوات أولية بسيطة من أهمها:
- تخصيص رسائل ترحيب موجهة باسم العميل عند الحجز، وليس مجرد رد آلي عام.
- متابعة احتياجات العميل أثناء الإقامة بمكالمة سريعة أو رسالة شخصية، وليس مجرد استبيان إلكتروني.
- بعد المغادرة، إرسال رسالة شكر تتضمن عرضًا خاصًا للإقامة المستقبلية بناءً على تفضيلاته.

فهذه الأمثلة البسيطة تعزز مفهوم " المعاملة بالمثل / الاهتمام المتبادل – Reciprocity " في علم النفس الاجتماعي، حيث يشعر العميل بأنه مقدَّر، مما يزيد احتمالية استجابته بإعادة الحجز أو التوصية بالفندق.
٢- التخلص من التواصل الآلي المكرر
النماذج الآلية أو " الأتمتة " في التسويق والمبيعات يمكن أن تكون أداة قوية، لكنها عندما تُستخدم بشكل خاطئ، تصبح عائقًا أمام بناء العلاقة الإنسانية، والعملاء اليوم باتوا أكثر وعيًا، ويمكنهم بسهولة تمييز الرسائل الآلية غير المخصصة، مما يجعلهم يشعرون بأن الفندق يتعامل معهم كـ "رقم مبيعات" وليس كضيف مميز، ويمكن تجنب ذلك ببعض الخطوات البسيطة مثل:
- تجنب استخدام العبارات النمطية مثل: "نشكرك على تواصلك معنا، سيتم الرد عليك قريبًا"، واستبدالها برسائل شخصية تعكس اسم العميل وطلبه.
- تخصيص محتوى الرسائل البريدية وفقًا لاهتمامات العميل السابقة، وليس إرسال العروض العامة العشوائية.
- استخدام الفيديوهات القصيرة كرسائل مخصصة من فريق الفندق، بدلًا من الاعتماد فقط على النصوص.
فيوضح علم النفس التسويقي أن العملاء يستجيبون بشكل أكبر للتواصل الإنساني غير المتوقع، مثل تلقي مكالمة سريعة بعد الإقامة تسأل عن رأيهم بدلاً من رسالة إلكترونية آلية تطلب منهم تقييمًا عامًا.
٣- إضفاء الطابع البشري على المبيعات
وفي كل مرة يتواصل فيها العميل مع الفندق، فهو لا يتعامل مع "علامة تجارية" مجردة، بل مع أشخاص يمثلون هذه العلامة التجارية، والثقة لا تُبنى مع الكيانات، بل مع الأفراد، لذا فإن جعل فريق العمل جزءًا واضحًا من استراتيجية المبيعات هو أمر قد يُحدث فرقًا كبيرًا، على سبيل المثال:
- كإضافة قسم "تعرف على فريقنا" على موقع الفندق يتضمن صورًا حقيقية لأعضاء فريق المبيعات وخدمة العملاء مع نبذة عنهم.
- تقديم محتوى خلف الكواليس يُظهر فرق العمل أثناء تحضير التجارب الفندقية، مما يعزز الإحساس بالشفافية والمصداقية لدى العملاء.
- إشراك فريق المبيعات في تفاعل حقيقي على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال الرد المباشر على استفسارات العملاء بأسلوب ودّي وشخصي.
فالعملاء والمسافرون والسائحون ينجذبون أكثر إلى الفنادق التي يشعرون أن وراءها وجوهًا حقيقية وأشخاصًا يمكنهم التواصل معهم بسهولة، مما يعزز الارتباط العاطفي ويدفعهم للعودة.
وعندما يتوقف الفندق عن معاملة المبيعات كعملية تجارية بحتة، ويبدأ في رؤيتها على أنها عملية بناء علاقات مستدامة قائمة على الثقة والتفاعل الإنساني، فإن التأثير يمتد إلى كل جانب من جوانب العمل، ويصبح العملاء أكثر ولاءً، و ترتفع التوصيات، و يتحسن العائد على الاستثمار بشكل طبيعي دون الحاجة إلى زيادة الإنفاق على التسويق التقليدي.

الأدوات الرقمية ودورها في تعزيز الثقة
الحضور الرقمي للفنادق أصبح عنصرًا أساسيًا في بناء الثقة مع العميل قبل اتخاذ قرار الحجز، والتجربة الرقمية الأولى للعميل، سواء عبر الموقع الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل انطباعًا أوليًا قد يكون حاسمًا في قراره النهائي، والتعامل مع هذه المنصات كقنوات ترويجية فقط لم يعد كافيًا، فاليوم أصبح العملاء يبحثون عن تجربة رقمية تعكس المصداقية، والتفاعل الحقيقي، والوضوح في تقديم المعلومات.
التفاعل الرقمي كأداة بيع غير مباشرة - Social Selling
لا يعني البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي الاكتفاء بعرض العروض والخصومات، بل يتعلق ببناء علاقة ممتدة مع العملاء قبل وأثناء وبعد عملية الحجز، فعندما يرى العميل أن الفندق يتفاعل مع متابعيه، ويرد على تعليقاتهم، ويشارك محتوى يعكس الحياة اليومية داخله، فإن ذلك يعزز من ثقته في التجربة التي سيحصل عليها عند الحجز، والفرق واضح بين فندق ينشر صور غرفه فقط، وآخر يشارك قصص الضيوف، وتفاصيل الخدمات، وتجارب الموظفين في تقديم الخدمة.
والتفاعل الرقمي المبني على المشاركة الفعالة يجعل العميل يشعر بأن الفندق ليس مجرد مكان للإقامة، بل وجهة يمكن الاعتماد عليها، وهذا النهج يقلل من الحواجز النفسية التي قد تمنع العميل من اتخاذ قرار الحجز، ويخلق لديه ارتباطًا غير مباشر مع العلامة التجارية قبل أن يقرر تجربتها فعليًا.

الشفافية الرقمية وأهميتها في بناء الثقة
وعدم وضوح المعلومات من أكثر العوامل التي تجعل العميل مترددًا في الحجز، حيث يثير الغموض مخاوف من وجود تكاليف خفية أو خدمات لا تتطابق مع التوقعات، وعلى العكس، كلما كانت المعلومات المعروضة واضحة وسهلة الوصول، كلما شعر العميل بأمان أكبر تجاه اتخاذ قراره.
ويظهر ذلك من خلال تقديم تفاصيل دقيقة عن الأسعار، السياسات، والخدمات المتاحة دون الحاجة للعميل إلى البحث أو التواصل للحصول على معلومات أساسية، وكذلك، وجود صفحة للأسئلة الشائعة تحتوي على استفسارات العملاء السابقة وإجابات واضحة عنها يسهم في تقليل أي قلق محتمل، وتظهر مدى الشفافية كذلك في طريقة تعامل الفندق مع المراجعات السلبية وإظهار كيفية استجابته لها.
المحتوى البصري الذي يكشف كواليس الفندق
ونذكر هنا أيضًا أن العلاقة بين العميل والفندق لا تُبنى فقط من خلال الكلمات، بل تلعب الصور ومقاطع الفيديو دورًا كبيرًا في تعزيز الشعور بالارتباط بالمكان، فعرض كواليس العمل داخل الفندق، مثل تجهيزات الغرف، وتحضير الوجبات، أو حتى يوميات الموظفين، يمنح العميل لمحة أكثر واقعية عن التجربة التي سيحصل عليها.
ومقاطع الفيديو التي تُظهر طاقم العمل أثناء تقديم الخدمة تضيف بُعدًا إنسانيًا لصورة الفندق، وتجعل العميل يشعر أنه يتعامل مع أشخاص يهتمون بتجربته، وليس مجرد علامة تجارية مجهولة، ويطمئن العميل إلى أنه يرى صورة واقعية تعكس التجربة الفعلية، وليس مجرد لقطات ترويجية تم إعدادها خصيصًا للإعلانات.
فالاعتماد على الأدوات الرقمية في بناء الثقة أصبح ضرورة في قطاع الضيافة، وليس مجرد إضافة اختيارية؛ لأن تجربة العميل تبدأ غالبًا عبر الإنترنت، وعليه فإن الطريقة التي يظهر بها الفندق على هذه المنصات تساهم في تشكيل توقعاته وإقناعه بإتمام عملية الحجز، ومن خلال تعزيز الحضور الرقمي بالشفافية، والتفاعل المستمر، وإظهار الجانب الإنساني، يمكن للفنادق تقليل مخاوف العملاء المحتملين، وزيادة مستوى الثقة، وبالتالي رفع معدلات الحجوزات بطريقة مستدامة.
إدارة تجربة العميل والثقة في كل مراحل التفاعل
الثقة هي عملية مستمرة تتشكل عبر كل نقطة تفاعل بين الفندق والعميل، وكل مرحلة في رحلة العميل تحمل فرصًا لتعزيز هذه الثقة، كما أنها قد تحمل مخاطر فقدانها إذا لم يتم التعامل معها بوعي استراتيجي، ومن الضروري فهم كيف تؤثر كل مرحلة من مراحل التفاعل على استمرارية العلاقة ومدى نجاحها في تحويل العميل إلى نزيل دائم، ويمكن تقديمها كالتالي:
١- قبل الحجز: تشكيل الانطباع الأول وترسيخ الثقة المبكرة
اللحظة التي يكتشف فيها العميل الفندق لأول مرة، سواء من خلال محركات البحث، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو توصيات الأصدقاء، وهي المرحلة الأولى التي يتكون فيها الانطباع الذهني عن المكان، وفي هذه المرحلة، لا يبحث العميل فقط عن الأسعار والموقع، بل يبحث عن إشارات تطمئنه إلى أنه يتعامل مع جهة موثوقة.
ووجود تقييمات إيجابية واضحة، ومحتوى شفاف على الموقع الإلكتروني، وتفاعل قوي على المنصات الرقمية كلها عوامل تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز هذا الشعور، والعميل لا يريد فقط أن يرى صورًا جذابة، بل يريد أن يشعر أن التجربة التي سيحصل عليها تتماشى مع توقعاته، وأن الفندق يملك سجلًا موثوقًا في التعامل مع ضيوفه، وأي إشارة إلى عدم الوضوح أو غياب التفاعل الفعلي مع العملاء يمكن أن تضعف الثقة في هذه المرحلة، مما يدفع العميل للبحث عن بدائل أكثر أمانًا من وجهة نظره.

٢- أثناء التفاعل الأول: كسر الحواجز النفسية وتعزيز الشعور باليقين
بمجرد أن يتخذ العميل خطوة التواصل الأولى مع الفندق، سواء عبر البريد الإلكتروني، أو الهاتف، أو الدردشة المباشرة، يبدأ مستوى الثقة بالتطور بناءً على جودة التفاعل الأول، وهنا، يدخل العامل النفسي في المعادلة، حيث يحتاج العميل إلى إحساس بالاهتمام الشخصي والاستجابة الفعالة بدلًا من التعامل مع ردود نمطية أو بطيئة.
وطريقة الإجابة على الأسئلة، وسرعة الرد، ونبرة المحادثة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد ما إذا كان العميل سيشعر بالراحة تجاه إكمال الحجز أم لا، وفي هذه المرحلة، التعامل الآلي الجاف يمكن أن يكون حاجزًا نفسيًا يمنع العميل من اتخاذ قراره، بينما التفاعل البشري الذكي الذي يعكس فهمًا حقيقيًا لاحتياجاته يعزز شعوره بالاطمئنان ويزيد من احتمالية إتمام الحجز.
٣- أثناء الإقامة: لحظة اختبار المصداقية والتجربة الفعلية
ولكن الثقة التي تم بناؤها قبل الحجز ليست ضمانًا لاستمراريتها، بل تحتاج إلى تأكيد عملي خلال تجربة الإقامة الفعلية، والعميل الذي يصل إلى الفندق ولديه توقعات إيجابية يريد أن يرى هذه التوقعات تتحقق، وأي تناقض بين ما تم الترويج له وما يختبره فعليًا قد يؤدي إلى إحساس بالإحباط المعرفي، مما يجعله يفقد الثقة في الفندق حتى لو كانت التجربة جيدة من الناحية العملية.
وهنا يمتد الأمر إلى كيفية التعامل مع التفاصيل التي تصنع الفارق في إحساس العميل بالاهتمام، وتجربة تسجيل الدخول السلسة، والردود السريعة على الطلبات، والمستوى المتقدم من التفاعل الإنساني مع الضيوف، والذي يمكن أن يحوّل نزيلًا عاديًا إلى عميل دائم.
٤- بعد الإقامة: الاستمرار في بناء العلاقة وتحفيز الولاء
اللحظة التي يغادر فيها العميل الفندق لا تعني نهاية العلاقة، بل هي بداية مرحلة جديدة يتم فيها تحويل تجربة إيجابية إلى ارتباط طويل الأمد، والفنادق التي تكتفي بإرسال استبيان تقييم دون أي تواصل حقيقي تفقد فرصة ثمينة لتعزيز علاقتها بالنزلاء السابقين.
والتواصل الذكي بعد الإقامة، سواء من خلال رسائل مخصصة تشكر العميل على زيارته، أو عروض حصرية مصممة بناءً على تفضيلاته، أو حتى متابعة شخصية لسؤاله عن رأيه، كلها تعكس اهتمام الفندق بالعميل كشخص وليس كرقم في قاعدة بيانات، وعلى المستوى النفسي، هذا النوع من التفاعل يعزز مبدأ التبادل الذي أشرنا إليه مسبقًا، حيث يشعر العميل بأنه حصل على اهتمام إضافي، مما يجعله أكثر ميلًا للعودة أو التوصية بالفندق للآخرين.
كيف تترجم العلاقات إلى إيرادات؟
لا تُقاس نجاحات المبيعات فقط بحجم الحجوزات الفندقية، بل بمدى استدامة العلاقات مع العملاء وقدرة الفندق على تحقيق إيرادات مستمرة من خلال تعزيز الولاء، وكما أوضحنا فالثقة ليست مجرد مفهوم تجريدي، بل هي أحد أقوى العوامل المؤثرة في " معدلات التحويل - Conversion Rates " وهي نسبة الزوار الذين يحولون اهتمامهم إلى حجز فعلي، وتكرار الحجوزات، وأيضًا في " قيمة العميل على المدى الطويل - Customer Lifetime Value " وهي إجمالي الإيرادات التي يحققها العميل الواحد طوال فترة تعامله مع الفندق.
ومن الناحية المالية، فإن تكلفة اكتساب عميل جديد غالبًا ما تكون أعلى بكثير من تكلفة الاحتفاظ بعميل حالي، فالاستثمار في بناء الثقة من خلال التواصل المستمر بعد الإقامة، والعروض الشخصية، وبرامج الولاء يمكن أن يؤدي إلى زيادة " متوسط قيمة العميل - CLV " ، مما يعني أن الفندق يحصل على عائد أكبر من كل عميل على المدى الطويل دون الحاجة إلى إنفاق المزيد على الإعلانات أو العروض التسويقية المكلفة.
والسؤال الأهم هنا: كيف تتحول العلاقة المبنية على الثقة إلى زيادة في الأرباح؟
- العملاء الذين يثقون بالفندق، يكونون أكثر استعدادًا لاتخاذ القرار دون الحاجة إلى عروض ترويجية مكثفة أو تخفيضات مغرية، وكذلك إذا شعر العميل بأي نوع من عدم اليقين أو الارتباك أثناء مرحلة البحث أو التواصل الأولي، فإن احتمالية تأجيل قراره أو البحث عن بديل تصبح أكبر.
- العملاء الذين يشعرون بأن الفندق يمنحهم تجربة موثوقة لا يترددون في إعادة الحجز، بل ويميلون إلى اختيار نفس الفندق عند زيارة الوجهة مرة أخرى، حتى لو كان هناك خيارات بأسعار أقل.

- العملاء الذين يثقون في الفندق لا يعودون إليه فحسب، بل يصبحون سفراء
غير رسميين له، مما يؤدي إلى زيادة الحجوزات عبر التوصيات الشخصية والمراجعات
الإيجابية.
وتشير الأبحاث إلى أن العملاء الذين يوصون بفندق معين يكون لديهم تأثير أقوى من أي حملة إعلانية، حيث تستند قرارات السفر والحجز بشكل كبير إلى تجارب الآخرين، فكلما شعر العميل بأنه حصل على تجربة جديرة بالثقة، زادت احتمالية أن يشارك تجربته مع الآخرين، مما يؤدي إلى تدفق عملاء جدد دون أي تكلفة تسويقية إضافية على الفندق. - الفنادق التي تبني سمعتها على المصداقية عبر الإنترنت، من خلال تقديم معلومات شفافة والتفاعل الحقيقي مع العملاء، تحظى بمعدلات تحويل أعلى دون الحاجة إلى إقناع مفرط.
- تخصيص العروض والتجارب بناءً على سلوك العميل وتفضيلاته يجعل من السهل تحقيق ولاء مستدام، مما يترجم إلى حجوزات متكررة وإيرادات أعلى.
- بدلاً من التركيز فقط على جذب عملاء جدد، يمكن للفنادق تحقيق مبيعات مستدامة من خلال إدارة العلاقات الآنية بشكل أكثر فاعلية، مما يضمن استمرار العائدات دون الحاجة إلى مضاعفة الإنفاق التسويقي.
وبالتالي ندرك أن الثقة ليست مجرد قيمة معنوية، بل هي أحد أهم الأصول الاقتصادية لأي فندق يسعى إلى تحقيق نمو مستدام في مبيعاته، ومن خلال التركيز على بناء علاقات قوية بدلاً من مجرد تنفيذ عمليات بيع سريعة، سيتمكن الفندق من تحويل تجربة العميل إلى مصدر مستمر للإيرادات، حيث يصبح كل تفاعل ناجح نقطة انطلاق لتفاعل جديد، وكل عميل راضٍ فرصة لجذب المزيد من الحجوزات.
أي أن كل حجز جديد لا يُعد مجرد صفقة، بل فرصة لبناء علاقة طويلة الأمد، وكل عميل يغادر الفندق وهو يشعر بأنه كان محور الاهتمام، هو عميل سيعود مجددًا، وسينقل هذه الثقة لغيره، وعندما يصبح هذا النهج هو جوهر استراتيجية المبيعات، تتحول الفنادق من مجرد أماكن إقامة إلى وجهات يختارها العملاء لأنهم يثقون في التجربة التي سيحصلون عليها في كل مرة.
تعرف على كل جديد في مجال المطاعم والفنادق من خلال آي هوريكا
المنصة المتخصصة لمجال خدمات الأغذية والضيافة
كيف تبني الفنادق علاقات قوية تحقق مبيعات مضاعفة وأرباحًا مستدامة ؟